عبدالرحمن الأهنومي
احتفل الشعب اليمني يوم أمس بمناسبة المولد النبوي الشريف بحشود مليونية غير مسبوقة ولا معهودة على الإطلاق، مشهد جديد يسطره الشعب اليمني في مناسبة تعد من أعظم وأقدس مناسبات الدنيا لعظمة وقدسية صاحبها محمد رسول الله – صلوات الله عليه وعلى آله وسلم.
لم تكن مظاهرة ولا ساحة، ولا عشرة آلاف شخص تظاهروا ولا مائة ألف ولا حتى مليون إنسان، بل 27 ساحة كبرى امتدت من العاصمة صنعاء حتى عواصم المحافظات الحرة، احتضنت أكثر من 7 ملايين شخص تدفقوا من القرى والأرياف والجبال والوديان ومن الأحياء والمدن، حضروا جميعا ليسطروا مشهدا هو الأعظم في تاريخ الدنيا كلها.
لقد كانت لوحة بشرية من يمن المحبة والإيمان، لوحة وفاء مليونية سطرها يمن الإيمان والحكمة بملايينه الغفيرة ليستدعي تاريخاً إيمانياً عريقاً ضارباً في صدارة الإسلام والرسالة المحمدية، وبيعة متجددة من شعب يحتشد اليوم بكل عنفوانه ليستحضر العلاقة العميقة جداً التي تجمعه بمحمد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، وهو الذي قال يوماً «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، وهو الذي قال لأصحابه مشيراً إلى اليمن «من هاهنا يأتي نَفَسُ الرحمن».
لا دولة ولو كانت بأعظم الإمكانيات يمكن لها أن تحشد هذه الحشود، ولا أموال الدنيا كلها يمكن لها أن تجمع هذه الملايين البشرية إلى ساحات احتفالية، ولا قوة الدنيا كلها يمكن أن تسطر هذه الملحمة البشرية المليونية، ولا أكبر زعيم وقائد في الدنيا كلها يمكن أن يجمع هذا النفير المليوني إلى الساحات للاحتفال به، لكنه رسول الله – صلوات الله عليه وآله وسلم أعظم قائد وأطهر إنسان وأزكى مخلوق وأفضل من وطأ الثرى وهو سيد الرسل وسيد الخلق أجمعين، لا يماثل عظمة ولا يضاهى فضلا ولا ينافس منزلة، ولهذا النبي عليه أزكى صلوات الله مع هذا اليمن الذي احتشد علاقة عميقة وبينهما صلات وتاريخ، ونصرة وشرف سبق إليه اليمانيون إلى حضرة رسول الله، وبيعة العقبة الأولى، ثم بيعة العقبة الثانية ثم الهجرة ثم بدر والأحزاب وحنين وسجل حافل من المعارك والأحداث الحاسمة.
من جاء بهذا الطفل ومن حشد هذا المسن إلا محبة امتلأت بها قلوب هؤلاء لمحمد صلوات الله عليه، فحركتهم إلى ساحات الاحتفالات.
27 ساحة كبرى في العاصمة صنعاء وفي عواصم المحافظات احتضنت الحشود، أي دولة يمكن لها أن تنظم وتجهز وترتب وتخطط وتحمي أمنياً هذه الساحات وتؤمن هذه الحشود المليونية، لكنها بركة رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم، وعظمة رسول الله وعظمة شعب تعملق وكبر بولائه ومحبته وتعظيمه لرسول الله – صلوات الله عليه وآله وسلم.
وقبل الحشود التي شهدتها اليمن يوم أمس، احتفلت الليالي والأيام بالأنوار وبالأفراح وبالمباهج وبالمظاهر التي زينت السماء والجبال والبيوت والمدن والقلوب، حتى شكلت لوحات جمالية بديعة ورائعة لكأنها كانت تعكس جمال وبهاء وطهر من صلّى عليه الله، وصلّتْ عليه الملائكة، وصلّتْ عليه الخلائق كلها، وصلّى عليه المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها، وصلى عليه اليمانيون سابقاً وحاضراً وإلى قيام الساعة نصروه، وحملوه في قلوبهم حبا واقتداء وولاء، وفي مواقفهم وحروبهم وسلامهم قائداً وموجهاً ومعلماً ونبياً وقدوة وأسوة ومنهاجاً متكاملاً.
أي دولة وأي نظام يمكن أن يزين السماء والأرض والجبال والبيوت والشوارع والأحياء والقرى والأرياف والوديان بالأنوار المتلألئة التي زينت سماء وأرجاء اليمن، لكن الشعب اليمني فعل ذلك محبة وتوقيرا وتعظيما لرسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، الكل بادر بنفسه، الكل زين والكل أبدع والكل عبّر عن محبته لنبيه العظيم، فكان هذا المشهد الأعظم يتبدى من أطراف اليمن إلى خارجها، يلون السماء ويضوي الأرض بالأنوار المحمدية.
ولقد رأى العالم أجمع تلك الصورة التي تشكلت خلال الأيام الماضية من البهاء والنور الذي أضاء الأصقاع بمناسبة المولد النبوي الشريف، ولقد شاهد العالم أجمع يوم أمس الحشود المليونية الغفيرة وهي محتشدة في ساحات الرسول الأعظم بالملايين المتدفقة، ولقد شهد العالم سنوات من الحرب العاصفة التي لم تترك حجراً ولا بشراً إلا واستهدفته بذخائرها ولم تدع وسيلة وأسلوباً من أساليب الإعدام والموت إلا استخدمته في أساليبها، وشهد العالم انتصارات يمانية تتعاظم وتتراكم ومفاجآت يمنية تتوالى وتسجل كل يوم، نحن نكبر ونتقدم وقوتنا تتعاظم وقدراتنا تتصاعد بالله، ولأننا أحببنا رسول الله ووقرناه وعظمناه واقتدينا به وتأسينا ووالينا، وسنكبر وسنتقدم وسنفاجئ العالم وسنقدم الشاهد الأجلى لعظمة هذا النبي عليه الصلاة والسلام وعظمة مشروعه ومنهجه ورسالته إلى البشرية كلها إذا تمسكنا بما نحن عليه، وسيكون الآخرون صغاراً ما داموا بعيدين عن ذلك.
الله وحده يعلم ما تعرض له هذا الشعب العظيم من حروب ومؤامرات وعواصف وقصف وفتك ودمار وقتل وترويع واستهداف وحصار وتجويع وغير ذلك، والله وحده من سحق القوى وطوح بها وهزم الجيوش المتحالفة، والله وحده من وفق هذا الشعب وهداه إلى نصر مبين وجلي وكبير، لأن هذا الشعب توكل عليه، وأفلح لأنه ممن عظّم ووقّر وتأسَّى برسول الله – صلوات الله عليه وآله وسلم.. لا التهديدات ولا الظروف ولا قساوة العيش ولا ضغط الحروب والجوع ولا كل الحروب ستفُت في عَضُد هذا الشعب ما دام مستمسكاً بعروة الله الوثقى ومنطلقا من منهجه القويم ومتأسياً برسوله الخاتم محمد – صلوات الله عليه وعلى آله وسلم.